 ما حدث مع خطوط دلتا للطيران ومخاطر المستقبل المعلوماتي

 بقلم : أشرف عثمان

ما حدث مع شركة دلتا للطيران من إلغاء 3000 رحله و تكدس المسافرين في المطارات هو كارثة بجميع المقاييس من ناحية الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة التي تتعلق بالسمعة والصورة الذهنية لدى المسافرين عن شركة كانت تتمتع بسمعة رائعة من حيث الاعتمادية العالية واحترام المواعيد.
الحقيقة أنني انزعجت عندما سمعت الخبر, لأن انقطاع الخدمة الذي يشل شركة طيران بأكملها لابد أن يكون بسبب كارثي, وبعد التحقق مما حدث وجدت أن السبب ليس عيبا في البرامج أو في الشبكه, و لكنه بسبب حريق في مركز الحاسب الآلي للشركة.
تقوم كل مراكز الحاسبات بتركيب مولدات احتياطيه للكهرباء في حالة انقطاع الخدمة من مصدر الكهرباء الرئيسي, و ما حدث هو أنه في الساعة الثانية والنصف من صباح 8 أغسطس 2016, قام الفنيون بتشغيل المولد الإحتياطي لسبب ما (قد يكون لاختباره والتأكد من صلاحيته أو لإصلاح شيء ما في خط التوليد الأساسي). للأسف نتج عن هذا التشغيل حريق أدى لتعطل المولد الإحتياطي و الأساسي معا, و بالتالي توقف مركز المعلومات بأكمله .
كما تعلمون أن برامج شركات الطيران غاية في التعقيد و تشمل الى جانب حجز التذاكر, أنظمة لمواعيد أطقم العمل من طيارين ومضيفين, أنظمة للإركاب و تحديد المقاعد وأنظمة لتغذية لوحات الإعلان عن الرحلات وتشغيل سيور الأمتعة و أنظمة للوجبات وبرامج الركاب الدائمين, الخ.

بعد الحريق , تمكنت الشركه من إمداد المركز بالطاقة الكهربية خلال عدد معين من الساعات , و لكن احتاجت كل أجهزة السيرفر لإعادة تشغيل برامجها التشغيلية من البداية (أو كما يسمى في عالم الحاسبت بعملية الـ Booting) لـ 500 سيرفر من جميع الأنواع و الأحجام و برامج التشغيل, و هو أمر لو تعلمون عظيم.
بعد هذا و بعد ساعات طوال من إعادة الخدمة نظاما تلو الآخر عادت القدرة المعلوماتية للشركة الى وضعها الصحيح وأصبح التحدي القادم هو تسفير عشرات الآلاف من المسافرين الذين قضوا ساعات طوال وفقد الكثير منهم رحلات متتابعه كانوا سيستقلونها , الخ. وبالطبع عرضت الشركة على المسافرين رد نقودهم وكذلك 200 دولار لكل من تأخرت رحلته أكثر من 3 ساعات (مما يعني آلاف مؤلفة من البشر) وملايين كثيرة تصل إلى العشرات على أحسن تقدير, أو المئات على أسوئه.
حدث نفس الشيء في 20 يوليو الماضي مع شركة عملاقة أخرى اسمها شركة ساوث وست إيرلاينز أدى الى إلغاء 2,300 رحله بسبب تعطل راوتر في مركز الحاسب في دالاس تكساس, و كلا العطلين كلفا الشركتين مئات الملايين من الدولارات من الخسائر المباشره
وغير المباشرة.
الأمر المقلق هو زيادة الاعتمادية على الأنظمة المعلوماتية وسهولة إصابتها بالتعطل رغم مئات الملايين من الدولارات التي تنفقها الشركات مثل دلتا أو غيرها من شركات الطيران , لينتهي الأمر في حالة دلتا بعطل كهربائي يؤدي إلى هذه الكارثة, أو كما حدث في ساوث وست إيرلاينز بعطل في جهاز من الممكن أن يكون له بديل ساخن Hot Backup .
أتخيل ما قد يحدث عندما يتعطل مركز الحاسب الذي يخدم السيارات ذاتية القيادة التي تعمل عليها الشركات المختلفة من الآن! كم ستكون تكلفة الخسائر من أموال و أرواح؟
كلما زاد اعتمادنا على التكنولوجيا المعلوماتية ,كلما زادت حدة تأثرنا بأعطالها , وفي واقعة خطوط طيران دلتا كان العطل بسبب بسيط وغير معقد. لم يكن السبب فيروس مثلا أو مشكلة في البرامج أو قواعد البيانات, بل كان بسبب انقطاع الكهرباء! و هو أمر غريب, لأن مراكز المعلومات العملاقه تقسم الى درجات متعدد تبدأ من Tier 1 – Tier 5 , و كنت أظن أن أي مركز معلومات من الدرجة الخامسة Tier 5 محصن تماما ضد أي عطل من أعطال الكهرباء , ولكن يبدو أن العالم الرقمي سيظل يدهشنا بمفاجآته.