متخذ القرار مصر بين التجميع والتصنيع

بقلم : أشرف عثمان
كثيراً ما تدور مناقشات عن التصنيع كرافد مهم من روافد الاقتصاد، وتحدث مقارنة بينه وبين "التجميع" وينقسم الحديث إلى غالبية ترى تجميع السيارات والأجهزة عبثاً لا قيمة له، وأقلية (أنا منهم) ترى أن التجميع هو نوع من أنواع التصنيع وأنه على نفس الدرجة من الأهمية للاقتصادات العربية.
لتحليل هذا الموضوع والوصول إلى تفهم مكتمل للموضوع سأستخدم إحدى الأدوات التي ابتدعها بورتر والمسماة سلسلة القيمة أو Value Chain التي تقسم أنشطة أي مؤسسة تجارية إلى أنشطة رئيسية وأنشطة داعمة. تُعرّف الأنشطة الرئيسية بأنها ما تولد قيمة نفعية لمن يشتري المنتج وبالتالي تتولد قيمة مادية لأصحاب رأس المال. فالمستشفى على سبيل المثال نشاطها الرئيسي هو علاج المرضى بينما مكتب المحاماة نشاطه هو تمثيل المدعين أمام المحاكم. كذلك نشاط شركة المقاولات هو بناء الوحدات السكنية ... الخ.
كل هذه الأنشطة تنتج قيمةً نفعية لمستهلك المنتج أو الخدمة والذي هو عميل المؤسسة ،
وتنتج كذلك قيمة مادية لأصحاب رأس المال. أما الأنشطة الداعمة فهي كل ما تحتاجه المؤسسه لتقوم بعملها بصفة عامة مهما اختلفت نوعية نشاطها الرئيسي، فالمستشفى
وشركة المقاولات تشتركان في وجود قسم إداري وقسم الموارد البشرية وقسم المحاسبة .
الشكل التالي يشرح بدرجة من التفصيل البنود المختلفة للأنشطة المذكورة، سنورد فيما يلي شرحاً للأنشطة وبنودها (المرجع بتصرف في الترجمة hrdiscussion.com)

والأنشطـة الرئيسيّـة بها خمسة أنشطة فرعية يتمثل أولها "الإمـداد الوارد"هو مجموعة الأنشطة المرتبطة بضمان وتخزين وتوصيل المدخلات اللازمة للعملية الإنتاجيـة ، ثانيا :"الإنتـــاج" مجموعة الأنشطة المرتبطة بالعملية الإنتاجية وتحويل المدخلات إلى منتجات في شكلها النهائــي ، ثالثا " الإمـداد الصادر " مجموعة الأنشطة المرتبطة بجمع وتخزين والتوزيع المادي من المنتج إلى المستهلـك ، رابعا ": التسويق والتوزيع" مجموعة الأنشطة المرتبطة بالتزويد بالوسائل التي يمكن من خلالها تحفيز المستهلك على شراء منتجات المؤسسـة وأخيرا " الخدمــات" مجموعة الأنشطة المرتبطة بتقديم خدمات لتدعيم والمحافظة على قيمة المنتجات، والمتمثلة أساساَ في خدمات ما بعد البيع.
أما الأنشطـة الداعمـة بها أربعة أنشطة فرعية يتمثل أولها "البنيـة التحتية للمؤسسـة "وتشمل أنشطة مثل الإدارة العامة، التخطيط، المحاسبة والمالية، الجوانب القانونية والتنظيمية ... إلخ ، ثانيا " إدارة الموارد البشرية " أنشطة ضرورية لضمان الاختيار،التدريب وتنمية الأفراد، أي كل الأنشطة المتعلقة بالموارد البشرية ، ثالثا "التنمية والتطوير التكنولوجي" أنشطة متعلقة بتصميم المنتج وتحسين طريقة أداء الأنشطة المختلفة في حلقة سلسلة القيمة وتشمل المعرفة الفنية، الإجراءات والمدخلات ، التكنولوجيا المطلوبة لكل نشاط داخل حلقة القيمــة واخيرا " المشتريات" الأنشطة المتعلقة بالحصول على المدخلات المطلوب شراؤها سواء كانت مواد أولية أو خدمات أو آلات.
نعود لموضوع المقال عن التصنيع والتجميع لنجد أن تكوين المؤسسة في كلتا الحالتين متشابه تماما إلا في نوعية المواد الداخلة في مرحلة الإنتاج، فالتجميع به نفس النشاط الرئيسي الذي يهدف إلى خلق منتج نهائي وجاهز للاستخدام. يتكون هذا المنتج من مواد خام تأتي إلى المؤسسة من خلال الأنشطة الفرعية المذكورة (إمداد وارد) ثم تجرى عليها عملية الإنتاج لتتحول من مجموعة مواد خام إلى منتج نهائي، ثم يتم تخزينها وتجهيزها للتوزيع من خلال عملية الإمداد الصادر، ثم تحدث عمليات التسويق والتوزيع والبيع ، وأخيراً تتم صيانة المنتج من خلال عملية الخدمات.
الفرق بين التصنيع والتجميع هو في نوع المواد الخام ومن قام بتصنيعها وأين؟ ففي مصانع السيارات تأتي المدخلات أو المكونات من مصانع متخصصة في صناعة ما يسمى sub-assembly وهو جزء مصنع تم تركيبه ليصبح وحدة تصنيعية، حتى أن أحد الكتب عن صناعة السيارات اسمه Who really made your car ? يبين أن ٧٠٪ من السيارات هي عبارة sub-assemblies ويذكر عبارة عن صناعة السيارات ليصفها بأنها:
assembling the sub-assemblies. .
أثناء بحثي عن المادة العلمية للمقال وجدت قائمة بأكبر ١٠٠ مُصنّع عالمي ممن يصنعون القطع و الـ sub-assemblies لكل شركات تصنيع السيارات دون استثناء فقرأت أسماءً مثل Faurica, Lear corp, Denso corp, Jtek, Autoliv Inc. شركات الميه تصنع كل شيء بدايةً من الهياكل ، الشاسيهات إلى صناديق التروس والنقل الآلي ... الخ. القائمة موجوده في الرابط https://www.autonews.com/assets/PDF/CA89220617.PDF
السيارة الـ BMW فيها مكونات مصنوعة في عشرات البلاد المختلفة، يتم تجميعها في مصنع الشركة في ألمانيا أو جنوب أفريقيا أو مصر. العبرة هنا بالاقتصاد، فالشركة ليست عاجزة عن تصميم أو تصنيع صندوق النقل الإلكتروني مثلا ولكن هناك إحدى الشركات المتخصصة التي تنتج هذا الصندوق بكفاءة عالية وبسعر أقل. في هذه الحالة ستشتري BMW هذه الـ sub-assembly من الشركة المصنعة وتدخله في خطة الإنتاج .

إإذن فالبنية الاقتصادية للتصنيع واحدة في حالتي ما يطلق عليه "التجميع أو التصنيع" ، ففي كلتا الحالتين هناك مبان ومعدات ومخازن وعمالة ماهرة ... الخ وهناك سلسلة قيمة كاملة متكاملة ومتشابهة تماما في الحالتين. الفرق هو مصدر المادة الخام ، في نفس المصنع أو المدينة أو البلد ... الخ.
كذلك القيمة الاقتصادية والاجتماعية في الحالتين متماثلة تماما من ناحية تشغيل عمال وموظفين وخلق فرص عمل وتوليد عملة أجنبية وبناء تجمعات بشرية حول المصنع أو المصانع والأهم بناء ثقافة التصنيع والاعتماد على النفس.
أين الاختلاف إذاً ؟ الاختلاف في الإبداع والابتكار وهو موضوع مقال قادم بعون الله. ختاما فإنه من عدم الإنصاف أن نظلم بلادنا ونكرر مقولة ساذجة " ليس لدينا تصنيع! نحن نجمّع فقط".