 متخذ القرار  حلم توحيد البيانات – الجزء الثاني

 بقلم : أشرف عثمان
كتبنا في المقال السابق ، في نفس هذا المكان ، عن الفائدة التي تعود على الأعمال وعلى المجتمع بصفة عامة من إمكانية التكامل المعلوماتي على مستوى قواعد البيانات،
وافترضنا في المقام الأول أن كل الجهات المعنية بخدمة المواطن أو العميل قد أكملت البنية الأساسية المعلوماتية، أي أن لديها تطبيقات مكتوبة بالفعل وتستخدم قاعدة بيانات محلية موجودة على الحاسب المركزي لهذه الجهة.
الصورة الافتراضية لهذا العالم الرقمي المتكامل هي أن هناك قاعدة بيانات في مكان ما بها كل البيانات المطلوبة لإنجاز أي معاملة تجارية أو حكومية، لكن الصورة الواقعية مختلفة تماما، فكل قاعدة بيانات لها غرض وتصميم مختلفان عن غيرهما من قواعد البيانات من حيث طول الحقول ونوعية البيانات التي تخزن عليها وصلاحيات التعامل مع البيانات
وكيفية أخذ النسخ الاحتياطية ).
الآن تخيل أننا اتفقنا على وجود قاعدة بيانات موحدة تحمل داخلها كل ما يتعلق بالمواطن من بيانات مخزونة على حواسب : الداخليه، التأمينات، المعاشات، التموين، هيئات الكهرباء
والمياه والغاز ، الضرائب ... الخ. السؤال هو :هل سنأخذ نسخاً من هذه البيانات ونضعها على حاسب مركزي يعمل كخادم بيانات (database server) ؟هل سنصمم قاعدة بيانات جديدة بـ new schema؟ وإن فعلنا ذلك هل يتوجب إعادة كتابة البرامج في الحواسب المختلفة لتتعامل مع القاعدة الجديدة ؟ أم هل سنضع قواعد البيانات منفصلة عن بعضها البعض ولكن على حاسب مركزي واحد؟ هل سنحتفظ بقواعد البيانات الأصلية على حواسبها لإنجاز الأعمال المحلية اليومية المطلوبة في الجهة صاحبة البيانات ، ثم نحدث البيانات المضافة والمعدلة على القاعدة الجديدة التي تم إنشاؤها على الحاسب المركزي الجديد؟
الزاوية الأخرى من الموضوع :ماذا عن ملكية الجهاز الجديد والبرامج الموجودة عليه، من سيدفع ثمنها؟ من سيكون مسئولاً عن إدارة هذه المنظومة الجديدة Access rights, security, backup and restore, etc. ؟من سيكون مسئولا عن تحديث الاصدارات الجديده ( والتي ستنعكس على الجهات المختلفة وقد تستدعي تغييرات في رخص موجودة على حواسب هذه الجهات) ، الأمر الأهم هو من سيكون مسئولاً عن تنفيذ هذا المشروع ؟ ، هل ستكون جهةً معلوماتية مثل وزارة الاتصالات؟ هل ستستطيع وزارة الاتصالات التواصل مع الجهات المختلفة (و بعضها سيادي) وتضع ضغطاً عليها لإعطائها البيانات ، هل ستستطيع وزارة الاتصالات أن تضع جداول زمنية تلتزم بها الجهات الأخرى ؟
ما القوة الإدارية لدى وزارة الاتصالات لتضع الضغوط وتتعامل مع المقاومة التي ستحدث من الجهات المختلفة؟ هل من الأفضل أن يكون لهذا المشروع هيئة أو مكتب منفصل عن الوزارة ويرتبط مباشرةً بالرئاسة على سبيل المثال (مثلما تفعل دبي) ؟ لو أسند الأمر إلى هذه الهيئة المنفصلة ، هل ستتجادل معها الوزارات (ومنها الداخلية) والمصالح المختلفة أو تتأخر في التوقيت المطلوب أو تمتنع عن حضور اجتماعات ... الخ.
الآن دعونا نطرح طريقةً أخرى في التواصل تحافظ على استقلالية الجهات المختلفة
وبياناتها ، في هذا الطريق تترك البيانات في مكانها في الأجهزة المختلفة وتتعامل الجهات المختلفة مع بعضها البعض من خلال رسائل messages حيث تحدد كل جهة ما تحتاجه من الجهات الأخرى و مواصفاته الرقمية (الاسم وتاريخ الدخول وعدد مرات الدخول
والخروج ... الخ).
في هذه الحالة تتم كتابة البرامج في أي مكان من المنظومة الرقمية بطريقة مستقلة وعندما يحتاج برنامج ما في جهة ما إلى معلومة أو بيان موجود على حاسب آخر فإنه يتواصل مع الحاسب الآخر من خلال messaging agentأو وكيل تواصل موجود على نفس الحاسب يأخذ الطلب ويحيله إلى messaging agent وكيل تواصل آخر على الحاسب الآخر ويتواصل الوكيلان بناء على قواعد متفق عليها بين الحاسبين وتنتقل البيانات بسلاسة وفي إطار معلوماتي آمن وتتحقق الفائدة للطرفين.
قصدت من هذا المقال أن أبين أن "توحيد قواعد البيانات" مهمة شاقة وليست مبادرة تكنولوجية وبرامج وأجهزة، لكن في واقع الأمر ما نحتاجه هو خلق منظومة وسطية افتراضية تسهل انتقال البيانات المطلوبة "فقط" من جهة إلى أخرى وقت الحاجة إليها، مع الاحتفاظ باستقلالية القرار المعلوماتي في كل جهة والأهم الاحتفاظ بالخصوصية والحماية للبيانات الموجودة في كل جهة من الجهات .