الابتكار في بلد الاخلاق و الحضارة

اقرأ لهؤلاء

التكنولوجيا .. وثورة في العلاج الذاتي
لا شك أن التكنولوجيا الحديثة باتت تلعب دورا استراتجيا في تطوير الخدمات الصحية العالمية بصورة تشكل قفزات نوعية كبيرة بداية من الأبحاث المتعلقة بتطوير
	تكنولوجيا محاربة الفساد  .. وصبر الشعب
التعلم خطوة خطوة في ممارسة الديمقراطية هو أحد أهم مكتسبات الشعب المصري خلال السنوات الستة الماضية لاسيما بعد أن نجح
الشباب .. واستراتيجية قومية للإبداع
يدرك الجميع أن مصر واحدة من الدول التي وهبها الله قوة بشرية لا يستهان بها ، إذ إن 60 % من السكان في عمر الشباب أقل من 25 عاما
تحديد حقوق وواجبات الروبوتات
كما يقال، لا قيمة لشيء بدون إثبات وتوثيق ورقي، وفي خضم الضجة العالمية حول النتائج المحتملة لدخولنا ثورة صناعية من نوع جديد، يقودها
الأمن الفضائي .. والتنسيق العربي المطلوب " 1- 3 "
يشكل الأمن والاستقرار، وحماية حقوق الملكية الفكرية أحد أهم متطلبات عملية التنمية الاقتصادية وإقناع المستثمرين

أصدقاؤك يفضلون:

الابتكار في بلد الاخلاق و الحضارة

دائما أسأل نفسي عن السر الذي حول اليابان من مجموعة من الجزر الفلاحية المشتتة في هامش الحضارة الصينية القديمة إلى واحدة من أعظم الدول المبتكرة للثقافة التكنولوجية المعاصرة ، و كيف عادت اليابان الي الحياة بعد الضربة القاصمة التي تلقتها في الحرب العالمية الثانية، و التي أدت إلى استسلامها وهي في حالة انهيار كامل؛حيث مسحت من على وجه الأرض تمامًا ربع طاقتها الصناعية وخربت كل مدنها الرئيسية، و خلفت الحرب وراءها سبعة ملايين عاطل، وذلك بجانب الكارثة الإنسانية التي سببتها قنبلتا هيروشيما وناجازاكي مِن قتلى وجرحى وتلوث بيئيٍ وإشعاعي،و التي كانت كفيلةً باختفائها كدولة، ونهاية دورها إلى الأبد. لكن علي عكس المتوقع كانت هذة الأزمات سببا في تفجير طاقات الشعب الياباني التي دفعته إلى الانتصار على الجميع حتى على نفسه، حيث أبى الشعب الياباني إلا أن يضرب المثل لكل دول العالم، ويعلمها معاني العزيمة والإصرار، ويلقن الجميع درسًا في التخطيط الدقيق والمثابرة حتى تحقيق الأهداف و الايمان بالوطن، كما أوضحت تجربة اليابان بما لا يدع مجالاً للشك الدور الذي يمكن للعلم و الابتكار أن يؤديانه في تقدم الامم. فما هي المعجزة التنموية التي جعلت اليابان تمتلك الاقتصاد الثالث عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والثاني عالميا في معدل النمو بعد الولايات المتحدة، والثالثة على العالم في تصنيع السيارات، والأولى عالميا في صناعة الإلكترونيات، والدولة الدائنة الأكبر في العالم (الأكثر إقراضا للدول الأخرى)، والدولة الثانية الأكبر في العالم امتلاكًا للأصول المالية بعد الولايات المتحدة وبما يوازي حجم الأصول المالية لكندا وبريطانيا وألمانيا مجتمعين وثلاثة أضعاف الأصول المالية الصينية!
يكمن السر في معجزة نهضة اليابان ، في ان اليابانيون اختاروا طريقا بالغ الصعوبة لكنه فعال، وهو تبني مبدأ الاستثمار في العلوم و التكنولوجيا و دعم الابتكار المحلي و رفع الانتاجية، مع زيادة الجودة في كل الاعمال، فبدأت اولا و قبل كل شيء بالتركيز على تعزيز قدرتها على الابتكار، مع الأخذ في الاعتبار انخفاض عدد سكانها ورأس المال بعد الازمات التي واجهتها. و كانت الوظيفة الأساسية للابتكار هو التغلب على الماضي، ومعالجة التحديات. فأنشأت الحكومه معهد صانو عام 1956 والذي قدم منهاجا دراسيا حول "التفكير الابتكاري"، واخترع منهجيات لتوليد الأفكار المبتكرة التي تعتمد على تمكين الأفراد من التوليد السريع والفعال للأفكار الخلاقة، ولأن الجهاز الحكومي للدولة هو أحد أفضل الأجهزة الحكومية التكافلية في العالم – حيث تتعاون وزاراته بعضها مع بعض في ظل نظام دقيق –فقد تعاونوا علي تبني هذة المنهجيات في إنتاج أفكار مجددة لمنتجاتها أو أعمالها و خدماتها بطريقة مبتكره لدعم الاقتصاد الوطني للدوله.
ومما زاد في ترسيخ هذه الثقافة الابتكارية الجديدة أن اليابانيين كيفوا تقنيات توليد الأفكار المبتكرة مع ميولاتهم الثقافية و عاداتهم و تقاليديهم (اي لم يكن عندهم عقدة الخواجة)، وكانت قدرة اليابانيين على الابتكار نتيجة مباشرة للوعي بأهمية ضخ جرعة قوية من الثقافة الابتكارية في المجتمع، كتجديد التكنولوجيا وصناعة الثروة، و تحرير قدرات اليابان الابتكارية عن طريق هدم العديد من الجدران التي توجد داخل المجتمع من خلال قتل البروقراطية و محاربة الفساد بقوة و صرامه، واستيعاب كل فئات المجتمع بشكل فعال عن طريق إنشاء عقلية و بنية اجتماعية أكثر تسامحا. و من أجل أن يقوى الفكر الابتكاري كان لابد من أن يرتبط الشعب بوطنه ومجتمعه، لذلك كانت تقوم الحكومه بمناقشة ومشاطرة الهدف والرؤية المشتركة مع الشعب (الشفافية)، من أجل أن يكونوا قادرين على التغلب على الاصلاحات المؤلمة التي التي كانت موجوده. وقد قامت الحكومه بإعادة اكتشاف مواطن القوة وأصولها، مثل تراثها في الأعمال اليدوية والتصنيع و دعم الصادرات، و الاهم من ذلك هو ما قاموا به من إصلاح جذري في نظام التعليم، ليتمكن من تطوير أشخاص يمكنهم أن يفكروا بأنفسهم وأن يتواصلوا مع العالم الخارجي على نحو سلس. فعملوا علي تحسين نوعية المعلمين، و أخذت المدارس اليابانية تعلم تقنيات التفكير الابتكاري اليابانية الأصيلة لتلاميذها؛ بل إن بعض المدارس أنشأت مناهج دراسية كاملة لتعليم هذه التقنيات. وفي سنة 1979، تأسست أول جمعية يابانية خاصة بالثقافة الابتكارية سميت "جمعية اليابان للابتكار"، تخصصت في تنظيم المؤتمرات حول موضوع الابتكار ودعم الأبحاث حوله. بعدها ظهر مفهوم جديد في الثقافة اليابانية هو مفهوم "تطوير الموهبة الجديدة"، والذي فتحت فيه الباب لنقاش واسع حول الثقافة الابتكارية بعدها ظهر في المجال الاقتصادي مفهوم "الجماعة التعاونية المبتكرة". وفي سنة 1996 طورت فدرالية المنظمات الاقتصادية باليابان برامج تدريبية عملية لرفع الوعي بأهمية الثقافة الابتكارية.
الان تمتلك اليابان بمفردها 57 شركة في نادي الـ500 شركة على سطح الأرض، وتنفق على البحث العلمي والتقني ما يزيد عن 150 مليار دولار سنويًا (المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالكامل)، تحتل المركز الرابع عالميًا كأفضل بيئة موائمة للابتكار، وثالث أفضل نظام تعليم أساسي عالميًا وهي الدولة الأفضل في خدمة العملاء في أي مجال بحسب تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وتمتلك العدد الأكبر من المهندسين والتقنيين نسبة إلى عدد السكان بعد الولايات المتحدة وإسرائيل، والثانية بعد الولايات المتحدة في نسبة إنفاق الشركات على البحث العلمي.
هذه نبذة أتنمي أن تساعدنا على فهم المعجزة اليابانية التي عادت لتبدأ من الصفر بل وأقل من الصفر لتصبح رقمًا صعبًا ومثلاً يُحتَذَى به في التقدم والعلم والرخاء.

مشاركات القراء