الريادة في الأعمال من الصناعة للمجتمع .(24) _المسار المعرفي وبناء مجتمع المعرفة (1/4)

بقلم : د. أحمد الحفناوي
سأعود مجددا لما تحدثت عنه عن دور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في بناء مجتمع المعرفة نتيجة تعاملاتي خلال الأسابيع القليلة الماضية في عدد من الأعمال المهمة جاري العمل عليها مع خبرات مصرية متميزة بتعاون ودعم من ثلاث مؤسسات وطنية مهمة. المؤسسات هي :
اللجنة الفنية المسئولة في المجلس الأعلى للجامعات عن التعليم الهندسي والتكنولوجي والصناعي.
المجلس التخصُّصي للتنمية المجتمعية التابع لرئاسة الجمهورية.
مركز المعلومات.ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء.
الشيء المشترك بين الثلاث يمكن تلخيصه في الهدف وهو إعداد الأطر والآليات اللازمة لتحقيق نقلة نوعية في المجتمع المصري للمشاركة بفعالية فيما يحدث في العالم وبما يحقق الاستفادة من موارد مصر اللي بصراحة "مبعترة".
في مقالاتنا السابقة تحدثنا عن أن هناك ـ دائما ـ سببا جذريا لكل شيء ويجب أن نعالج السبب الجذري عند التعرض لمشكلة ولا نكتفي بمعالجة الأعراض. فما هو السبب الجذري باختصار للبعثرة اللي احنا عايشين فيها . كان أخي الكبير يقول لي من عشرات السنين وأنا طفل "أصل مصر ما ينفعهاش غير فرعون" وكان هذا يشعرني بصراحة بالاشمئزاز , وكنت أرد عليه ويمكن يتحول الأمر لمعركة. أنا مؤمن أن مصر هي الحضارة والحضارة هي عمل جماعي وأن العصر بعد الثورة الصناعية وانتشار المعرفة بين مختلف الطبقات لا يمكن أن تعود عقارب الساعة للوراء وأن نعمل من خلال كهنوتية أو فرعونية. انتهى عصر الكهنوت وأصبح العمل جماعيا سواء على مستوى اكتساب المعرفة أو استخدامها أو انتاجها. والعمل الجماعي ليس قاصرا على المستوى الوطنى بل على المستوى العالمي.
فما هو السبب الجذري للبعثرة بالرغم من أننا نعيش على نفس الأرض ؟ السبب باختصار أن معرفتنا العامة ضعيفة جدا وقاصرة جدا وبالتالي غلبت معرفتنا التخصصية على معرفتنا العامة وهذا يؤدى إلى شخصنة الأمور وتصور أن دور الفرد هو الأساس. فالمعرفة العامة توفر "الفرشة" المشتركة بين الأفراد وتتيح لهم التعامل معا طبقا لمفاهيم مشتركة. فالعقول هي التي تصدر القرارات والعقول البشرية في عصرنا تكتسب معرفتها من خلال آليات التعليم ثم التعلم والإعلام والقراءة والممارسة فإذا عجزت هذه الآليات عن توفير الحد الأدنى من المعرفة المشتركة العامة فسيصبح أفراد المجتمع عاجزين عن التعامل بشكل جماعي. إن همنا الأول هو بناء الآليات القادرة على توفير الحد الأدنى من المعرفة العامة سواء من قدرات أو مهارات في كل مؤسسات المجتمع فالعمل المؤسسي هو المطلوب ولا يمكن تطوير المجتمع بدونه.
ويرجعني هذا لمصطلح استخدمته في العنوان وهو المسار المعرفي .. وهذا سيكون تركيزنا في حديثنا القادم فالمسار المعرفي كيف يكون مشتركا (بحيث يجمع بيننا) وفي نفس الوقت متفرد (بحيث يراعي أن قدراتنا واهتماماتنا مختلفة)؟. هذا أساس بناء مجتمع المعرفة ومنهجيتنا في التعامل. و سنبين باختصار ما هو دور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في تحقيق هذا الأمر من خلال تطبيقها بشكل فعال فدورها المؤسسي كما ذكرنا مرارا مماثل للجهاز العصبي للشخص.
Dr.elhefnawy@gmail.com