بقلم : د. غادة عامر
بدأ المجتمع يفكر في الابتكار المجتمعي منذ فترة ليست بالقليلة ، و لكنه بدأ من مدرسة تقليدية قديمة في سبعينيات العصر الماضي بعمل نظرية أطلق عليها التغيير المجتمعي ، والتي كانت تركز علي تغيير المجتمع باستخدام القوة ، هذه النظرية أثارت كثيرا من الجدل ، لأنه أسيء استخدامها ، و كانت سلبياتها أكثر من إيجابياتها.
بعد ذلك ظهرت نظرية التنظيم المجتمعي وهي طريقة مطورة من التغيير المجتمعي ، و تمت فيها معالجة عيوب نظرية التغيير المجتمعي ، وكانت الرائدة في هذا المجال هي جامعة هارفرد التي قامت أساسا علي فكرة القيادة المجتمعية. بدأت نظرية التنظيم المجتمعي في الثمانينيات وكانت تستخدم القوي الناعمة في التحريك المجتمعي، مثل الحملات التي تطلق الآن .. مثل حملة لا للتدخين، أو حملة لا للتحرش وغيرها ، هذه الحملات لكي تنجح لابد من أن تدخل في أعماق المجتمعات
وتدرسها وتحللها ، أي لابد من أن تكون إما من داخل أعماق المجتمع ، أو تتعمق فيه للتعرف على مشاكله ، و كانت لنظرية التنظيم المجتمعي كثير من الإيجابيات
ولكن كان لها أيضا الكثير من السلبيات ، بل إن سلبياتها كانت أكثر!
ونتيجة لسلبيات نظرية التنظيم المجتمعي ظهرت نظرية الابتكار المجتمعي ،
والابتكار المجتمعي يعتمد علي الحداثة ، فليس له علاقة لا بالقديم أو بالجديد ولكنه يعتمد علي القيمة المجتمعية المضافة ولابد أن يكون له تغيير واضح علي المجتمع ، وبالتالي يقاس الابتكار المجتمعي بشيئين أساسيين: كم يحدث قيمة مضافة، و كم تحرك ساكنا.
والابتكار المجتمعي لابد أن يخلق استحقاقات ، بمعني أنه يعرف المجتمع بحقوقه
وواجباته وماله وما علية، ومن هنا يبدأ انخراط جميع أفراد المجتمع في التنمية.
وهو لا يكون فقط لدعم الاقتصاد أو السياسة أو لرفع مستوى المعيشة، إنما يكون كل هذا بل وأكثر.
ولأن فكرة ونظرية التغيير المجتمعي كانت مرفوضة، ليس من المجتمعات العربية فقط، ولكن من كل المجتمعات في العالم، بسبب استخدام القوه وفرض التغيير،
و التنظيم المجتمعي لم يكن له التأثير الواضح الإيجابي على المجتمع، لأن معظم الحملات كانت أحيانا يتم استيراد فكرتها من الخارج وتطبيقها علي الشعوب العربية دون فهم واع لطبيعة وثقافة الشعوب العربية، وبالتالي كان تأثير هذه الحملات لا يلبث أكثر من وقت تنفيذها ، ولا تترك الاثر والتغيير المطلوب في المجتمع.
فكان الابتكار المجتمعي هو الأقرب لوضعنا ولتحدياتنا ، لأن المجتمع العربي لا يقبل تحطيم المبادئ والقيم باستخدام القوة ، عند تطبيق التغيير المجتمعي ، وأيضا لا يحب أن يتم اختراقه وتحليله وعمل منظومات كحالة التنظيم المجتمعي، ولكن المجتمع أميل إلى أن يبتكر طرق التنمية الخاصة به ، التي تناسب قيمه ومبادئه وعاداته
وتقاليده، وذلك لرفع مستوى المعيشة.
إن أساس الابتكار المجتمعي أنه مرن، ديناميكي ، ومتجدد ، يضيف قيمة مضافة ،
ولا يقع تحت تأثير القوالب التي تفرض عليه من الخارج وتجعله أسيرا لها ، كما حدث في كثير من المعايير التي فرضت على مجتمعاتنا وشغلتنا بمحاولة تطبيقها علينا
وحدت من قدرتنا على الابتكار لمصحلة شعوبنا ، بل وجعلتنا مأسورين لها. كمعايير جودة التعليم ، ومعايير الشفافية وغيرها. والذي ينظر في تلك المعايير يجدها مرتبطة بمعايير مجتمعية كثيرة لا علاقة لها بمجتمعاتنا أو بوضعنا وثقافتنا.
و للأسف شغلت الكثير من القطاعات في تطبيق تلك المعايير دون ترميم وتصحيح
وبناء المجتمع .وتكون النتيجة عدم الاستفادة من تلك المعايير التي هبطت علينا من الخارج، بل و نتيجة لانشغال المجتمع في محاولة تطبيق تلك المعايير المستوردة ، تزداد الفجوة ويبدأ الأساس في الانهيار نتيجة لإهمال طاقات وقدرات بناءة ،
وتتحول القوي التي كان لابد من استخدامها في تحريك عجلة التنمية ، إلى قوى هدامة ، بل ومتطرفة لأنها لم تجد من يحتويها ويطورها ويتبني فكرها، فكلما خرج علينا معيار تجد كل الدول تجري لتطبيقه بكل ما لديها من قدرات، و نتيجة لأن الوضع في منطقتنا في معظم الأحيان لا يكون ملائما ، لا نستطيع تطبيق المعيار بالشكل الذي صمم له ، فيصاب المجتمع بالإحباط!
و لهذا فإن الابتكار المجتمعي هو الحل الأمثل لمعظم مشاكلنا الحالية ، لأنه يتبنى الافكار الجديدة ويطورها ، بل ويجعل المجتمع كله في جميع القطاعات يفكر بشكل ابتكاري، و بالتالي تبدأ تظهر الابتكارات ومنها يبدأ تفعيل ريادة الأعمال واستغلال الثروات المحلية ، وبالتالي خلق فرص عمل نوعية ، وزيادة الوطنية والقضاء على أي تطرف من أي نوع.